19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. العشري: الحياة الزوجية مسؤولية مشتركة.. والقوامة لا تعني التسلط والقهر

21 أبريل 2012

* الأسرة المتماسكة إحدى لبنات المجتمع القوي والثقافة الإسلامية سياج الحماية

* فقه التيسير في الحياة خير منهاج لبناء حياة ناجحة دون تكلف أو مغالاة

* كثير من الجرائم ترتكب باسم الزواج العرفي وغيره من العلاقات الفاسدة

* لابد أن يتدرب الزوجان على أسلوب حل المشكلات بطريقة صحيحة وسليمة وواعية

مع ارتفاع معدلات الطلاق وشيوع ظاهرة التفكك الأسرى، برزت الحاجة إلى ضرورة وضع حلول ناجعة وراسخة لمحاصرة هذه المشكلة الخطيرة، وفي هذا السياق شدد الباحث التربوي والخبير في مجال التنمية البشرية د.إيهاب العشري على أهمية المناهج الدراسية في تعزيز الثقافة الأسرية والزوجية، وصياغة سلوكيات الأبناء والبنات بما يؤهلهم ليكونوا أزواج ناجحين، وقادرين على تحمل المسؤولية.

وأوضح د.العشري أن المنهج الإسلامي يرسخ في أذهان الشباب والفتيات منذ الصغر قيم التعاون والمشاركة والكسب الحلال والعمل بروح الفريق والإيجابية والمعاشرة بالمعروف والتسامح والتراحم والعطف والاحترام المتبادل والأخذ بزمام المبادرة، بل ويقدم لهم نماذج ناجحة، وفي مقدمتها الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولبيان أهمية ودور المناهج التعليمية في بناء ثقافة الفتى والفتاة أسريا وزوجيا جاء هذا الحوار لتقديم إضاءات حول هذه الإشكاليات المجتمعية ودور المناهج في معالجتها، وفيما يلي التفاصيل:

*ماذا عن دور المناهج الدراسية في إعداد زوج وزوجة قادرين على تحمل المسؤولية الأسرية؟

**إن الدور الذي يؤديه المنهج الدراسي في تشكيل الشخصية وصياغتها سواء كان – رجلا أو امرأة – هو دور حيوي وأساسي، لأنها تبين مقاصد الزواج النبيلة، وأهمية الأسرة المتماسكة في تكوين مجتمع قوي ومتماسك.

ولا شك أن واضع المنهج الدراسي يحدد الهدف من هذا المنهج أولا بما يتفق واحتياجات الدارسين والدارسات، وبما يحقق اهتماماتهم ومتطلبات المجتمع، ومن هنا تحرص المناهج الإسلامية على تقديم أفكار ومهارات ترسخ في أذهان الشباب والفتيات أهمية المسؤولية الزوجية وضرورة استشعارها، وتؤكد أن هذه الفئة تعيش في مرحلة عمرية لها مسؤولياتها كأبناء تجاه الأسرة والمجتمع، وسوف تتلوها مراحل أخرى، وسوف يتحملون خلالها المسؤوليات الأسرية.

القيم النافعة

* ما القيم التي يمكن أن تسهم في تشكيل شخصية مسلمة متزنة وسوية تدرك دورها المجتمعي سواء كانت رجلا أو امرأة؟

* * إن الأصل في الزواج أنه شراكة بين زوجين، وقد حدد الإسلام لكل منهما حقوقا وواجبات، وإذا أراد الزوجان أن ينجحا في حياتهما لابد أن يتقاربا معا، وأن تتوفر لديهما إرادة النجاح، والآية الكريمة " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " تتحدث عن معان غاية في السمو والنبل، لو جعلها كل زوجين نبراسا في حياتهما لحصدا مكاسب هائلة، ولعاشا هانئين سعيدين، ومن هنا لابد من التأكيد على قيمة وأهمية المسؤولية المشتركة، وما يترتب على ذلك من واجبات وحقوق، لابد من احترامها والتزام كل طرف بها.

ومن تلك القيم أيضا حب التعاون قال تعالى"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وقيمة العمل بروح الفريق والايجابية والمعاشرة بالمعروف والتسامح والتراحم والعطف والاحترام المتبادل والمبادرة وفنون إدارة الحياة الزوجية خاصة فما يتصل بأدوار كل طرف في الحياة الأسرية.

ولأنه لا يمكن أن تخلو أسرة من المشكلات، فلابد أن يتدرب الزوجان على أسلوب حلها بطريقة صحيحة وسليمة وواعية ، وبالإضافة إلى ما سبق يجب أن يدرك الزوجان قدسية الحياة الزوجية وأنها ميثاق غليظ، وليست عملية تسلية أو تسرية أو علاقة مؤقتة من الممكن أن تنتهي في أي وقت، أيضا من المعاني التي يجب تحريرها من الناحية الشرعية والتربوية مسألة القوامة، فقوامة الرجل لا تعني التسلط والقهر والبطش، وإنما تعني تحمل المسؤولية، ونحن في حاجة أيضا على تعميق المفاهيم التي تبين أن الزواج ليس استعبادا للزوجة، كما أن طاعة الزوجة لزوجها لا تكون إلا في حدود المعروف والاستطاعة.

الثقافة الزوجية

* ما حدود الثقافة الأسرية والزوجية التي يمكن تقديمها للأبناء وتربيتهم على أدبياتها ومفاهيمها؟

* * أتصور أن المرحلتين الابتدائية والمتوسطة يمكن أن تتضمنا ثقافات أسرية من قبيل تبادل الحب مع الأب والأم والأشقاء والشقيقات والتركيز على موقع الابن في أسرته، وإذا سأل سؤالا مهما كانت حساسيته لابد أن نقدم له الإجابة السليمة بطريقة مبسطة وسهلة دون نهره أو مطالبته بالكف عن السؤال.

فالدراسات التربوية تقول أن الولد أو البنت إذا سأل سؤالا ما فإنهما قادرين على استيعاب وفهم إجابته.

أما الثقافة الزوجية فلابد أن تقدم في مرحلتي الثانوية العامة والجامعة، وفى كل مرحلة من هذه المراحل لابد من تقديم منهج يتناسب مع سماتها وطبيعتها النفسية والبيولوجية، ففي المرحلة الثانوية نقدم لهم أحكام الغسل من الاحتلام وفقه التطهر من الحيض، وغير ذلك من معلومات تتصل بطبيعة نمو الفتى أو الفتاة، ثم نقدم في الجامعة منهجا حول كيفية اختيار شريك الحياة وصفاته والطريقة المناسبة في الاختيار، و كيفية بناء أسرة سليمة .

وفى هذا الإطار يمكن أن تقوم المعلمة بشرح هذه المفاهيم للفتيات، كما يقوم المعلم بشرحها للفتيان، هذا فضلا عن تدريس المفاهيم الخاصة بفنون التعامل مع الحياة بشكل عام من خلال مادة دراسية مستقلة تحت عنوان مهارات حياتية، وقد نجح الغرب في إنشاء معاهد وكليات لتدريس المهارات الشخصية والحياتية.

الظواهر الاجتماعية

* شاعت في مجتمعاتنا ظاهرة المغالاة في المهور والمبالغة في مواصفات شريك الحياة وغيرها من الظواهر السلبية..كيف يمكن معالجة هذه المشكلات؟

** معالجة الظواهر الاجتماعية تتطلب التركيز على فقه التيسير في الحياة وأهميته في بناء حياة ناجحة دون تكلف أو مغالاة، فأنا أعرف رجلا غنيا من ذوى الجاه والسلطان اشترط على خطيب ابنته أن يكون المهر محدودا حتى يضرب بذلك مثلا ويتأسى به آخرون، وتاريخنا الإسلامي حافل بمثل هؤلاء الرجال العظام الذين يجب تدريس سيرهم العطرة وفي مقدمتهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أعرف إحدى الطبيبات التي لم تتزوج حتى الآن، وقد تجاوزت الأربعين من عمرها، وهى نادمة الآن أشد الندم لأنها كانت تضع شروطا مغالية في زوج المستقبل، وقد وصلت بها الحال إلى أنها كرهت زيها الأبيض، لأنها تعتبره السبب الذي حال بينها وبين الأمومة.

وحينما نطبق فقه التيسير على مشكلة العنوسة مثلا لابد أن نستدعي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة" وفى رواية "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة" فلابد أن يتعلم الابن قيمة عدم التكلف فلا يتشدد في مواصفات شريكة الحياة ، كما لابد أن يغرس في الفتاة حب البساطة وعدم المغالاة حيث لا ينبغي أن تكلف الشاب فوق طاقته.

* انتشرت في السنوات الأخيرة أشكال متعددة من العلاقات الزوجية.. فكيف نعالج هذه الظواهر؟

** كما يقولون وبضدها تتميز الأشياء ، فإذا أردنا أن نثبت خطأ تلك الأنكحة لابد أن نبين أولا مزايا وقدسية الزواج الشرعي بالطريقة المتعارف عليها وضوابطه وآثاره الايجابية أسريا ومجتمعيا، ثم بعد ذلك نبين مخاطر هذه الأنكحة المستحدثة ومخاطرها على الفرد والمجتمع، فكثير من الجرائم ترتكب باسم الزواج العرفي، وغيره من العلاقات الفاسدة.

ولا يوجد أسلوب أرقى وأفضل وأكثر تأثيرا من أسلوب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في معالجة قضايا الزواج وبناء الشخصية السوية والمتزنة القادرة على التفريق بين الحلال والحرام والصواب والخطأ، وعلى هذا الأساس لابد من معالجة قضايا الزواج من خلال المنظور الإسلامي، وفى ذلك حماية للأبناء من الشطحات الفكرية والآراء الشاذة وصداقات السوء وثقافة التغريب التي تتبناها بعض الحركات والمنظمات والتيارات المشبوهة في مجتمعاتنا.

* نفهم مما سبق أن التعامل مع الحياة الزوجية يحتاج إلى مهارات وفنون ودورات تدريبية ؟

** صحيح إن فنون كثيرة من التعامل بين الزوجين يمكن اكتسابها من خلال التعلم والتدريب، ولهذا كما أشرت يجب أن نهتم بتعلم المهارات الزوجية في مرحلتي : الثانوية والجامعة بعد وضع مناهج ومقررات مدروسة بعناية من أجل تنمية العلاقات الأسرية وشرح أسس التعامل للمتزوجين، بل وعقد دورات تدريبية للمقبلين عن الزواج من الجنسين، بهدف ترسيخ المفاهيم الزوجية الصحيحة بعيدا عن العادات والتقاليد الموروثة التي تصطدم في الغالب بالقيم السليمة.

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتور/ العشري ، لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت